الأدب المغترب هو صوت المهاجرين العرب الذين تركوا أوطانهم جسداً، لكنهم حملوها في الذاكرة والكتابة.
هذا الأدب لا يعبّر فقط عن الغربة الجغرافية، بل عن غربة داخلية يعيشها الكاتب بين ثقافتين ولغتين وعالمين.
من هنا نشأ ما يسمى بـ جدل الهوية، أي الصراع بين الانتماء الأصلي والواقع الجديد.
سؤال من أنا
الكاتب المغترب يبدأ من سؤال بسيط لكنه مؤلم:
هل أنا عربي يعيش في الغرب، أم غربي يحمل ملامح الشرق؟
هذا السؤال يتحول في الأدب إلى محرك للسرد.
نراه في روايات الطيب صالح، حيث بطل موسم الهجرة إلى الشمال يعيش تمزقاً بين ثقافة السودان وتقاليد أوروبا.
ونراه عند أمين معلوف في الهويات القاتلة وليون الإفريقي، حيث تتصارع الهويات الدينية والقومية داخل الفرد الواحد.
اللغة كبيت وكمأزق
الكاتب المغترب يعيش مأزق اللغة.
اللغة الأولى تمنحه الجذور، واللغة الجديدة تمنحه الجمهور.
بعضهم يكتب بالعربية مثل غادة السمان وإدوارد الخراط، محتفظاً بصوت الشرق.
وآخرون كتبوا بالفرنسية أو الإنجليزية مثل أمين معلوف والطاهر بن جلون، فصاروا يكتبون عن العرب للآخر.
هكذا تحولت اللغة إلى جسر للتواصل وجدار للعزلة في الوقت نفسه.
الوطن المفقود
الحنين إلى الوطن هو قلب الأدب المغترب.
لكن هذا الحنين ليس مجرد عاطفة، بل إعادة بناء للوطن في النص.
الكاتب لا يستطيع العودة جسدياً، فيخلق وطنه بالكلمات.
تظهر هذه النزعة في أعمال حنان الشيخ وربيع جابر، حيث يصبح المكان ذاكرة أكثر منه جغرافيا.
الغربة كقيمة إنسانية
في المراحل الأحدث، تجاوز الأدب المغترب الحنين الفردي إلى طرح قضايا إنسانية أوسع مثل الحرية، المنفى، والانتماء الكوني.
صار الكاتب يرى نفسه جزءًا من العالم لا من وطن واحد.
هذا التحول جعل الأدب العربي في المهجر جزءاً من الأدب العالمي الحديث.
الهوية في حالة حركة
هوية الكاتب المغترب ليست ثابتة، بل متحركة ومتغيرة.
تتشكل من التجربة والذاكرة، من اللغة والمنفى، من ما كان وما أصبح.
ولذلك، كل نص مغترب هو محاولة لفهم الذات وسط عالم لا يعترف بالثبات.
الأدب المغترب هو شهادة على أن الهوية ليست ما نولد به فقط، بل ما نصنعه عبر الرحلة.
سؤال لك
هل يمكن أن يكتب الكاتب عن وطنه بصدق إذا لم يعد يعيش فيه؟
