لماذا نقرأ الأدب؟ في زمن الطوفان الرقمي

مقدمة: هوس المنفعة واغتراب الروح

نحن نعيش في زمن “الهوس بالمنفعة”. كل شيء يُقاس بمعيار الفائدة المباشرة: ما الجدوى من هذه الدورة؟ ما العائد المالي من هذا الكتاب؟ في خضم هذا الطوفان، يُحاصر السؤال عن جدوى الأدب. لماذا نقرأ رواية أو قصيدة لا تعلّمنا مهارة، ولا تزيد من دخولنا، ولا تحل مشكلة عملية؟ الإجابة ببساطة: لأن الأدب لا يطعمنا خبزاً، بل يذكرنا بأننا لسنا آلات. إنه مقاومة وجودية ضد الاغتراب الذي تفرضه علاقات السوق وصراعات الحياة المادية.

السبب الأول: الأدب كآلة زمن.. ونافذة على الآخر

الأدب هو الاختراع الوحيد الذي يمنحنا إمكانية العيش في أكثر من حياة واحدة، في أكثر من عصر، وأكثر من جسد.

السبب الثاني: مواجهة التعقيد.. لا تبحث عن إجابات جاهزة

بينما تقدم لنا وسائل الإعلام وخطابات السياسة عالماً مبسطاً (أبيض/أسود، خير/شر)، يقدم لنا الأدب عالماً معقداً، غامضاً، ومليئاً بالتدرجات الرمادية.

السبب الثالث: اللغة كحجر أساس للوجود

في زمن الانزياح towards لغة الإنترنت المبتسرة (الإيموجي، والاختصارات)، يصبح الأدب الحصن الأخير للغة الغنية، العميقة، والمشبّة بالاستعارات.

النقد: هل أصبح الأدب ترفاً؟

نعم، قد يبدو الأدب ترفاً في مجتمعات تكافح من أجل لقمة العيش. ولكن هذه هي المفارقة الكبرى: كلما اشتدت الأزمات، ازدادت حاجتنا إلى الأدب. في السجون، في زمن الحروب، تحت وطأة القمع، يلجأ البشر إلى القصيدة، إلى الرواية، لأنها تمنحهم معنى في عالم فقد معناه. الأدب ليس هروباً من الواقع، بل هو وسيلة أعمق لمواجهته. هو ليس رفاهية، بل هو ضرورة كالهواء والماء، لأنه يغذي الجزء منا الذي يجعلنا بشراً.

خاتمة: القراءة كفعل حرية أخير

في النهاية، نقرأ الأدب لأننا كائنات تبحث عن المعنى. لأن حياتنا الواحدة ضيقة جداً compared to الأسئلة الكبيرة التي تؤرقنا. الأدب يوسع منا، يعمقنا، ويجعلنا أقل وحدة في كون شاسع. في لحظة القراءة، نختبر حرية مطلقة: حرية الدخول إلى عقل إنسان آخر، وحرية مشاركته في أسئلته الوجودية. هذه هي آخر الحريات التي لا يمكن لأحد أن يسلبنا إياها. نقرأ الأدب، باختصار، لنعيش أكثر من حياة واحدة، ولنموت مرة واحدة فقط.

Exit mobile version