كيف يختار المترجم كلماته ليحافظ على روح النص؟ عملية إبداعية بين الدقة والشعور

مقدمة: البحث عن الروح في متاهة الكلمات

عندما يقع المترجم على جملة مثل “A heart of stone” في رواية ما، يواجه خيارات عديدة: “قلب من حجر”، “قلب قاس”، “قلب بلا رحمة”. كل ترجمة صحيحة قواعدياً، لكن واحدة فقط ستكون هي الأمينة على روح النص. هذه العملية، التي تشبه البحث عن إبرة في كومة قش لغوية، هي الفن الحقيقي للترجمة. فكيف يختار المترجم كلماته ليخطف روح النص من عالم لغوي ليودعها في عالم آخر؟

أولاً: الفهم المتعمق.. ليست كل الكلمات متساوية

قبل أن يبدأ المترجم في الاختيار، عليه أن يفهم الدور الذي تلعبه كل كلمة في النص الأصلي.

ثانياً: البحث عن “المكافئ الوظيفي” وليس “النظير الحرفي”

هذه هي القلب من عملية الاختيار. الهدف ليس إيجاد الكلمة المطابقة في القاموس، بل الكلمة التي تؤدي الوظيفة نفسها في الثقافة الهدف.

ثالثاً: اختبار الموسيقى الداخلية والإيقاع

النص الأدبي الجيد له موسيقى داخلية. المترجم الفنان هو من ينقل هذه الموسيقى.

رابعاً: التواضع والحس الأدبي.. عندما تختفي يد المترجم

المترجم الناجح هو خادم أمين للنص، لا منافس للمؤلف.

خاتمة: عملية قيادة روحية عبر اللغات

اختيار المترجم للكلمات ليس عملية ميكانيكية، بل هي عملية قيادة روحية. إنها رحلة من التماهي مع المؤلف، وفهم عميق للنص، ثم إعادة ولادة له بلغة جديدة. المترجم هنا يشبه عازف البيانو الذي يقرأ النوتة الموسيقية (النص الأصلي) ثم يعزفها بمشاعره وأحاسيسه (بكلماته المختارة)، محافظاً على اللحن الأساسي (روح النص) لكنه يضفي عليه لمسة إنسانية فريدة تجعله حياً في أذن المستمع وقلبه. في النهاية، الكلمة المختارة بشكل صحيح هي التي تختفي هي والمترجم معاً، لتترك القارئ وجهاً لوجه مع روح النص الأصلي، وكأنه لم يغادر لغته قط.

Exit mobile version