ترجمة الرواية الحديثة بين التحدي والابتكار: كيف تنقل عالمًا هجينًا إلى القارئ العربي؟


لم تعد الرواية الحديثة مجرد حكاية تروى بأسلوب تقليدي، بل تحولت إلى فضاء تجريبي يخلط الواقع بالخيال، ويمزج الأصوات، ويتلاعب بالزمان والمكان. هذا التحول طرح سؤالاً مصيرياً: كيف يمكن ترجمة هذه النصوص “الهجينة” التي تخرق كل القواعد المألوفة، دون أن نفقد روحها التجريبية وحداثتها؟ الإجابة تكمن في رحلة مترجم اليوم بين تحديات جسيمة تتطلب ابتكاراً لا يقل جرأة عن النص الأصلي نفسه.

التحدي الأول: تعدد الأصوات وتشظي الضمائر

تميل الرواية الحديثة إلى تعدد الرواة وانزياحات الضمائر (من “أنا” إلى “هو” إلى “أنت” في الصفحة نفسها)، مما يخلق تجربة قراءة فريدة.

التحدي الثاني: الانزياح اللغوي واللعب على الحوارات

تخلط الرواية الحديثة بين الفصحى والعامية، بل وقد تستخدم لهجات متعددة أو حتى خليطاً من اللغات (كلمات إنجليزية أو فرنسية داخل النص العربي الأصلي).

التحدي الثالث: الانزياح الأسلوبي وتداخل الأجناس

تدمج الرواية الحديثة الشعر بالوثيقة التاريخية، وخلط السرد التقليدي مع رسائل البريد الإلكتروني وخلاصات وسائل التواصل الاجتماعي.

التحدي الرابع: الثقافة الشعبية والعالم الرقمي

تعج الروايات الحديثة بإشارات إلى أفلام، وأغانٍ، ومشاهير إنترنت، ومنصات رقمية لم تكن موجودة قبل عقد من الزمن.

خاتمة: المترجم كشريك في الإبداع

ترجمة الرواية الحديثة لم تعد عملية نقل، بل هي شراكة إبداعية بين المؤلف والمترجم. المترجم المعاصر لم يعد ناقلاً سلبياً، بل هو قارئ نموذجي أول، ومفسر، ثم مؤلف ثانٍ يولد النص من جديد في لغة أخرى. التحديات التي تطرحها الحداثة السردية أجبرت الترجمة على الخروج من قفص الحرفية إلى فضاء الابتكار، حيث يصبح المترجم فناناً يستخدم أدوات اللغة لخلق تجربة قراءة توازي – إن لم تتجاوز أحياناً – تجربة قراءة النص الأصلي. في هذا الفضاء، تصبح الترجمة فعلاً أدبياً حداثياً بحد ذاته.

Exit mobile version